ابن الهيثم، الذي يُعتبر واحداً من أعظم العلماء في التاريخ الإسلامي والعالمي، وُلد في مدينة البصرة، التي تقع في جنوب العراق الحالي، في القرن العاشر الميلادي. اسمه الكامل هو أبو علي الحسن بن الهيثم، وُلد حوالي عام 965م. هو عالم متعدد التخصصات، حيث برع في مجالات البصريات والرياضيات والفلك والطب. تُعتبر أعماله في البصريات من أكثر إنجازاته شهرة وتأثيراً، حيث ساعدت في تأسيس العديد من المفاهيم الأساسية التي شكلت فيما بعد أسس علم البصريات الحديث.
نشأته وتعليمه
نشأ ابن الهيثم في البصرة، حيث أظهر منذ صغره اهتماماً بالعلوم والمعرفة. كانت البصرة في تلك الفترة مركزاً ثقافياً مهماً، حيث كانت تحتضن العديد من العلماء والمفكرين في مجالات متنوعة. وعلى الرغم من أنه لم يتم تسجيل تفاصيل دقيقة حول دراسته المبكرة، إلا أنه يُفترض أنه درس في مدينته ومن ثم في بغداد، التي كانت مركزاً رئيسياً للعلم والفكر في العصر العباسي.

أثناء دراسته، قام ابن الهيثم بالاطلاع على أعمال العلماء اليونانيين، وخاصة أعمال الفيلسوف اليوناني إقليدس وبليني. كما تأثر بالترجمات العربية للأعمال الهندية والفارسية، مما أسهم في تطور معرفته بالعلوم الطبيعية.
إسهاماته العلمية
أحد أبرز إسهامات ابن الهيثم كان في مجال البصريات. كان ابن الهيثم أول من وضع نظرية صحيحة حول عملية الرؤية، حيث أكد أن العين لا تُرسل الضوء إلى الأجسام، بل إنها تتلقى الضوء الذي يعكسه الجسم. كما طور مفهوم “قانون الانكسار” الذي اكتشفه في تجاربه على الضوء.
تعتبر أطروحته الشهيرة “كتاب المناظر” أحد أهم الكتب في تاريخ علم البصريات. في هذا الكتاب، قدم العديد من المفاهيم التي تم تطويرها لاحقاً في العلوم الحديثة، مثل تفسير الظواهر الضوئية والانكسار والانكسار الداخلي. وبدون شك، كان ابن الهيثم من الرواد في تحديد العلاقة بين الضوء والعدسات، وهي من المبادئ الأساسية في علم البصريات.
إضافة إلى ذلك، قام ابن الهيثم بدراسة النجوم والكواكب، وبحث في كيفية تأثير الضوء على الأجرام السماوية. في مجال الفلك، عُرف بملاحظاته القيمة وشرح حركة الأجرام السماوية بطريقة علمية.
عمله في القاهرة
في بداية القرن الحادي عشر، انتقل ابن الهيثم إلى القاهرة حيث عمل في ديوان الحكمة، وهو مؤسسة علمية تهتم بترجمة الكتب العلمية من اليونانية والفارسية والهندية إلى اللغة العربية. وُفّق ابن الهيثم هناك للعمل مع العديد من العلماء والفلاسفة الذين كانوا يشكلون جزءاً من هذه الشبكة العلمية المعروفة.
ويقال أن ابن الهيثم قد تعرض في القاهرة لمشاكل مع الحاكم الفاطمي الحاكم بأمر الله، حيث تم احتجازه لفترة طويلة بعد أن فشل في تنفيذ مشروع بناء سد على النيل كان قد كُلف به. ويُعتقد أن هذا الحدث كان له تأثير عميق في حياة ابن الهيثم، حيث قضى بقية حياته في عزلة، مُكرساً نفسه للأبحاث العلمية.
تأثيره على العلوم الحديثة
لقد ترك ابن الهيثم إرثاً علمياً ضخماً أثر في العديد من المجالات، لا سيما في البصريات والرياضيات والفلك. إن تأثيره في علم البصريات كان أساسياً في تطور هذا المجال، وقد أشار العلماء الغربيون إلى أن العديد من أفكاره كانت الأساس الذي بُني عليه علم البصريات الحديث.
على الرغم من أن ابن الهيثم لم يعرف في وقته بقدر ما يُعرف اليوم، إلا أن أعماله أصبحت معروفة بشكل أكبر في العصور اللاحقة، خاصة بعد ترجمات أعماله إلى اللغات الأوروبية في العصور الوسطى. بدأ الغربيون في استيعاب أفكاره وتطويرها خلال عصر النهضة، واعتُبرت هذه الأعمال نقطة انطلاق للعديد من الاكتشافات في مجال البصريات.
الختام
ابن الهيثم يُعتبر من الشخصيات الاستثنائية التي جمعت بين العبقرية والإبداع، وصار اسمه مرتبطاً بشكل دائم بالعديد من الاكتشافات في مجالات متنوعة. إن اهتمامه العميق بالعلم والطبيعة، فضلاً عن منهجه التجريبي الرائد، جعله رائداً في التفكير العلمي التجريبي.